في خضمّ الحرب التي تُخاض على لبنان والتي شنّتها إسرائيل عليه برز الكلام عن مخطّط كبير تحيكه إسرائيل بكلّ دقّة، وهو يتزامن مع قيام المقاتلات الاسرائيلية بقصف البقاع وبعلبك والضاحية الجنوبية وغيرها من المناطق، وهذا يؤدي الى تهجير سكان تلك القرى وفي وقت عينه أيضا تقوم إسرائيل بتفجير قرى بأكملها وتسوية بيوتها بالأرض ولا يدري سكان تلك المناطق أين يتجهون.

في ظلّ هذه المعمعة يتصاعد الكلام عن حُلم إسرائيل بوجود دويلات بجوارها لا دولاً وعن مخطط لتهجير الشيعة وعن تغيير ديمغرافي وعن إفتعال مشاكل في الداخل اللبناني وصولاً الى الفتنة لأنّ الحرب الخارجية وحدها لن تساعد إسرائيل على الفوز.

وأمام مشهد النزوح بدأ كلام عن مشروع لوضع منازل جاهزة للمهجرين من منازلهم من القرى التي قُصفت في مشاعات للدولة! من يسمع هذا الحديث أو يرانا نتطرّق إليه قد يعتبر أننا نسعى الى تغذية "الفتنة" أو ما الى ذلك. لا، نحن ندرك صلابة من تهجّروا سابقاً من منازلهم وعادوا اليها، ولكن ندرك خطورة المخطّط وأي خطوة من هذا النوع لناحية وضع منازل جاهزة على المشاعات وسنّ قانون لتملك الأهالي بعد خمس سنوات من مكوثهم فيها هو ضرب للنسيج الاجتماعي اللبناني وتغيير للديمغرافيا وإستكمال لمسلسل التهجير.

نعم، كان أعلن وزير الأشغال علي حميّة في وقت سابق أن "لا وجود لشيء من هذا القبيل". وكذلك أشار محافظ البقاع كمال أبو جودة عبر "النشرة" الى أن "أحداً لم يتحدث عنه، وهذا الملف هو بيدّ الوزارات المعنيّة ولجنة الطوارئ الحكومية". إلا أن مصادر في اللجنة المذكورة أكدت لـ"النشرة" أن "موضوع المنازل الجاهزة تتابعه وزارة الاشغال والاراضي المقترحة ستكون من أملاك الدولة"، لكن عادت ولفتت الى أن "موضوع التملّك بعد خمس سنوات غير مطروح".

إذاً الخطوة التي ستقوم بها الدولة هي المنازل الجاهزة على المشاعات صحيحة، أما القانون فهو بحسب المعنيين غير مطروح حالياً. ولكن تعودنا في السنوات السابقة وفي التجربة مع الحكومة أن "الأفعال تمحو الأٌقوال". وفي هذا الاطار يشرح الخبير الدستوري عادل يمين عبر "النشرة" أن "الدولة هي التي تقرّر كيف ستستعمل مشاعاتها"، لافتا الى أنه "وفي حال قرّرت فعلاً القيام بهذه الخطوة فهي تكون تميّز بين المواطنين لناحية إعطائهم الحقّ بتملك أملاك الدولة". يمين أبدى استغرابه لناحية القيام بسن قانون من هذا النوع لأنه "وفي الواقع ليس لحكومة تصريف الأعمال الحق بالتفريط بأملاك الدولة، خصوصا وأنه يوجد مشاعات لها اينما كان وفي المناطق المضيفة للنازحين، أي في المتن وكسروان وجبيل وبعبدا وفي شمال لبنان".

يعود الدكتور عادل يمين ليلفت الى أنه "وللسير في هذه الخطوة يجب تقديم اقتراح قانون معجّل مكرّر، وإذا تمت الموافقة على اعطائه صفة المعجّل المكرّر لا يمرّ باللجان النيابية المشتركة، بعدها يطرح على الهيئة العامة لمجلس النواب للتصويت شرط تأمين الاغلبية للنصاب أي يجب أن يحضر 65 نائباً والتصويت عليه يتم بالاغلبية النسبية".

عملياً من يسمع هذا الكلام يظنه من نسج الخيال ولكن في لبنان كلّ شيء يُمكن أن يحدث، إذ إن البلاد مرّت بأزمة كبيرة وكبيرة جداً، أدت الى الانهيار وفقدان الناس لودائعهم وبقيت الدولة تتفرج وتركت نفسها رهينة بيد "لوبي المصارف". اليوم الحال أخطر بكثير ونحن نقف أمام مشروع إسرائيل التوسّعي، وعملياً هذه هي الحرب، فإذا أرادت الدولة العبرية من الدمار والقتل تهجير المكوّن الشيعي من الجنوب والبقاع والضاحية وبعلبك، فإن حكومة تصريف الاعمال وبمشروعها للبيوت الجاهزة ولاحقاً مشروع قانون التملّك لخمس سنوات، هو عملياً تثبيت لما تقوم به إسرائيل.

بالتالي على جميع المكونات في البلد أن تكون واعية لأن "الفتنة" تطلّ برأسها، وعلى الشيعي رفض هذا المخطّط لأنّه يدمّره بالبداية ويدمّر النسيج الاجتماعي والهويّة... نريد البقاء جميعا في بلد التنوّع والعيش المشترك. فإحذروا هذا المخطط، والتحدّي اليوم هو بعدم الذهاب الى ما تريد اسرائيل جرّنا إليه...